الحياة في أوروبا

Cover

مقدمة

رأيت بأنه من الواجب علي مشاركة تجربتي في الحياة في أوروبا، بهدف إعطاء شفافية وتوعيه لكل شخص مسلم يريد السفر أو العيش والاستقرار في أوروبا.
ما هو مكتوب في هذا المقال هو عبارة عن تجربة شخصية وما رأيته بعيني وعشته شخصيا، يعبر عن رأيي الشخصي حول الموضوع، يمكن أن يختلف معي شخص أخر وهذا طبيعي لأن لكل شخص تجربة مختلفة، كما يمكن أن تختلف التجربة من بلد أوروبي لأخر، ما سأشاركه معك مبني على تجربتي في العيش في مدينة بروكسل، بلجيكا لأكثر من سنة.

ايجابيات الحياة في أوروبا

  • المواصلات: ستجد سهولة كبيرة في التنقل داخل المدينة بحكم شبكة المواصلات التي هي موجودة في كل مكان، وحتى بين البلدان. المواصلات تعمل بالوقت، يعني مثلا: لن تضيع وقتك في المواصلات بسبب سائق الحافلة الذي يماطل في السير بهدف جلب أكبر عدد ممكن من الزبائن!
  • الأمن: مستوى أمان عالي في أغلب الأماكن العمومية والسياحية، بحيث أنه يمكنك أن تسير مثلا على الساعة 3 صباحا لوحدك.
  • حسن المعاملة: ستجد أن أغلب الإدارات والناس يعاملونك معاملة جيدة، بدأً من الطبيب حتى الشرطي ستجده يعاملك معاملة جيدة.
  • الأجور: الراتب في الغالب يكفيك لتعيش حياة كريمة جيدة وحتى يمكن أن تدخر البعض منه (خصوصا التخصصات التقنية مثل هندسة البرمجيات).
  • بيئة العمل: تبقى هذه النقطة نسبية ويمكن أن تختلف على حسب المهنة، لكن ما رأيته في مجال هندسة البرمجيات هو وجود التنظيم والإحترافية في العمل (على الأقل في الشركة التي عملت فيها)، كما أنهم يحترمون الموازنة بين الحياة والعمل، فمثلا عندما دخلت جديد في الشركة أعطيت رقم هاتفي الشخصي لشخص واحد فقط وهو أحد مسيري الموارد البشرية، لماذا؟ قال لي بأنه سيتصل بي فقط في الحالة القصوى مثل افتعال نيران في مكان العمل، لكي ينبهك بعدم المجيء لمكان العمل، غير ذلك، فإنهم يحترمون وقتك بعد الدوام ولا يوجد إزعاج.
  • تعدد الثقافات: ستتعلم الكثير من خلال الاختلاط والعمل مع أشخاص من جنسيات مختلفة والتعلم من ثقافتهم.
  • البيئة ونظافة المحيط: الطبيعة الخضراء متوفرة بشكل كبير وتوفر الأماكن الجميلة.
  • الخصوصية: لن تجد شخصا يراقبك، يراقب عائلتك أو بيتك، كل شخص منشغل بنفسه، لا يوجد إزعاج إطلاقا.
  • الخدمات الإلكترونية: مثل الدفع الالكتروني وسهولة شراء المنتجات من المتاجر الإلكترونية، بحيث أنه يمكنك من منزلك فقط أن تشتري منتجات لتصلك إلى باب منزلك. كذلك في بعض الإدارات، والمواقع الحكومية فقط باستخدام بطاقة الهوية يمكنك الوصول للخدمات الرقمية. وكذلك عند بعض الأطباء والصيدليات، تعطيهم فقط بطاقة الهوية ومنها يمكنكم استخراج الباقي.
  • الأنترنت: لن تعاني مرة أخرى من مشكلة الأنترنت، بحيث أنها متوفرة بجودة -في الغالب- جيدة إلى ممتازة.
  • الأكل: لن تفكر في مشكلة توفر نوع معين من المأكولات، أغلب ما تحتاجه (ان لم نقل كل ما تحتاجه وزيادة) ستجده متوفر و -في الغالب- بجودة جيدة. وتقوم أنت بنفسك باختيار المنتجات التي تعجبك داخل المحل، فمثلا في رمضان اشتريت دقلة نور (أحد أجود أنواع التمور الجزائرية) الذي لم أتذوقها أو أشتريها في بلدي الحبيب ولكن وجدتها متوفرة في أوروبا وبسعر مناسب، مثال أخر هو أن صاحب المحل لا يرغمك على شراء حبة طماطم غير صالحة!
  • التسوق: هذه النقطة نسبية كذلك وتختلف على حسب المهنة، لكن في مجال هندسة البرمجيات مثلا ستجد أغلب الكتب الجيدة والتي تحتاجها متوفرة ويمكنك طلبها أونلاين لتصلك في مدة وجيزة (من يوم إلى ثلاث أيام)، وكذلك من أهم الأمور هو أنه إذا لم يعجبك منتج معين، يمكنك ارجاعه في مدة لا تتجاوز الثلاثين يوما من الشراء، مما يجعل تجربة التسوق جيدة.
  • الجالية المسلمة: الجالية المسلمة والحجاب موجودان.
  • الصحة: ستجد العتاد الطبي متوفر، وأطباءٌ يعرفون كيف يتكلمون وكيف يعاملون مرضاهم.
  • القانون: ستحس بالقانون والعدالة، وأن أغلب الناس تلتزم به، مما يجعل الحياة منظمة.
  • الوثائق: يمكن للشخص المقيم لمدة خمس سنوات (في المتوسط) الحصول على الإقامة الدائمة. وكذلك يمكنه التقدم والحصول على الجنسية (إن أراد ذلك)، ليتمكن بذلك من دخول أغلب دول العالم بدون تأشيرة.

سلبيات الحياة في أوروبا

  • البيروقراطية: لا تزال بعض الاجراءات غير مؤتمتة، فمثلا في كل مرة تقوم فيها بتغيير عنوان منزلك يجب عليك أن تقوم بتبليغ البلدية ودفع مبلغ -صغير- من المال لهم، فيقومون بدورهم بإرسال شرطة الحي إلى منزلك في يوم لا يخبرونك به (فجائي) كل مرة تغير فيها العنوان، نعم كما سمعت، يرسلون الشرطة إلى منزلك، لكي يتأكدون من أنك مقيم في ذلك المنزل، وإذا لم يجدك الشرطي في المنزل (مثلا خرجت لشراء شيء أو كنت عند صديقك في الوقت الذي يأتيك فيه)، فسيتم إلغاء طلبك، ويتعين عليك حينها أن تذهب للبلدية مرة أخرى، تدفع لهم المال مرة أخرى، وتحرص على أن تبقى في المنزل طوال الوقت لكي لا تفوتك زيارة شرطي الحي، فإذا أتى الشرطي وتأكد الأمر، يجب أن تنتظر بريدا إلكترونيا من البلدية لكي تذهب مرة أخرى إليهم وتعطيهم بطاقة الهوية لكي يتم تحديث عنوانك فيها.
  • السكن: إيجاد سكن للكراء هو مشكل كبير هنا، السعر مرتفع للغاية، وستجد صعوبة في إيجاد شقة بسعر متوسط، بحيث أنك إذا وجدت إعلان، ستقوم بالتواصل مع صاحب الشقة أو المنزل لبرمجة زيارة، وعندما يحين موعد الزيارة، ستجد نفسك مع أشخاص أخريين أتو لنفس الغرض، فإذا أُعجبت بالمنزل، فيجب عليك بعدها أن تقوم بإرسال مجموعة من الوثائق لصاحب الشقة، مثل كشوف الرواتب وغيرها، يعني ستحس نفسك تعمل في مقابلة عمل، وفي بعض الأحيان يطلبون أن ترسل لهم توصية من قبل المأجر السابق (إذا كنت مقيم في سكن أخر سابقا). فإذا حالفك الحظ ووُفقت، فيتم اختيارك من بين عشرات المتقدمين. أما في ما يخص شراء السكن، فنظرا لارتفاع سعر السكنات، فالطريقة الذي يتبعها أغلب الأوروبين هي أخذ قروض ربوية من البنوك لشراء سكن، وهو الأمر الذي لا يمكن للمسلم عمله، لذلك سيبقى تأجير السكن بسعر مرتفع للغاية هو الحل الوحيد.
  • الضرائب المرتفعة: سيتعين عليك، وأنت مجبر على دفع الضرائب التي تكون مرتفعة من راتبك في كل شهر، في مقابل الحصول على الخدمات التي لا تستحق دفع كل ذلك المبلغ.
  • مواقف السيارات: ستجد مواقف مدفوعة للسيارات (parking) في أغلب الأماكن العمومية.
  • الصحة: الجانب السلبي في الصحة هو أنه إذا أردت الذهاب للعلاج عند الطبيب، يجب عليك أن تحجز موعد لفترة معينة قبل موعد الطبيب، مثلا: عندما أردتُ زيارة عيادة طبيب العيون، أضطررت للإنتظار لأكثر من 3 أسابيع.
  • انعدام العلاقات الاجتماعية: بحيث أنك ستجد مثلا العجائز يعيشون لوحدهم، ستجد أغلبهم يربون كلاب -أكرمكم الله- ليصبح رفيقهم في الحياة.
  • الجري وراء المادة: ستحس نفسك أنك أصبحت شخص مادي.
  • عدم اظهار دينك: يعني تُبقي دينك في صدرك وفقط.
  • المحافظة على دينك: ستصادف الفتن كل يوم، بدأً من فتنة النساء التي هي أكبر فتنة، إلى الخمور التي ستصبح تراها في كل مكان، بدأ من المواصلات، في الشارع، وفي أغلب المحلات، خصوصا السوبر ماركت بحيث أنهم يضعونها في أول صف في المحل، يعني كل يوم ستمر عليها إذا قررت التسوق من المحلات الكبيرة.
  • الأذان: لن تسمع صوت الأذان وأنت خارج المسجد أو المصلى، ستسمع بدله صوت جرس الكنائس!
  • المساجد: المساجد موجودة، لكن عددها قليل ولن تجدها في كل مكان، بحيث أنك إذا كنت تقيم أو تعمل في مكان بعيد عن المسجد، سيصعب عليك حينها أداء الصلوات في جماعة.
  • عدم توفر الماء في المراحيض: المراحيض في أوروبا لا تحتوي على مياه، ستجد فقط المناديل، فيتعين عليك دائما حمل قارورة مياه صغيرة معك في كل مكان تذهب إليه مثل العمل وغيرها (ماعدا المساجد التي تحتوي على الماء)، لتقوم بادخالها معك إلى المرحاض -أكرمكم الله-.
  • الأعياد والمناسبات: ستفقد روحها ولذتها، بحيث أنه لن يكون هناك جو رمضاني، وعندما تكون في العمل في رمضان، ستجد زملائك الغير مسلمين يأكلون أمامك، ربما ستستغرب في الأيام الأولى ولكن ستتعود على الأمر، وحتى الأعياد ستجد نفسك في يوم عمل، فهناك من يذهب للعمل في يوم الأول للعيد وهناك من يأخذ إجازة، لكن الغالبية تعمل في اليوم الثاني من العيد بحكم الملل وعدم وجود جو العيد.
  • صلاة الجمعة: من المفروض وقت الجمعة يجب أن تعمل، ستجد الكثير من المسلمين -مع الأسف- يتخلفون عن أداء صلاة الجمعة في المسجد، حتى وإن صليتها في وقت استراحتك (استراحة الغداء مثلا)، لن تشعر بالراحة بحيث انك تصبح تنتظر انتهاء الصلاة لتذهب مسرعا للعمل. وفي حال ما إذا كان هناك لقاء مبرمج وقت الجمعة، فهنا ستكون في وضع حرج، وأمامك خيارين: إما أنك تضيع صلاة الجمعة، أو أنك تجد حجة لأداء صلاة الجمعة (نعم تجد “حجة” لأن أغلب الناس لا يقولون الصراحة لأرباب العمل بأنهم ذاهبون لأداء صلاة الجمعة).
  • الجانب الروحي ميت: تحس نفسك إنسان فارغ من الداخل.
  • تربية الأبناء: لا تحتاج لشرح، هذا هو أعظم مشكل وتحدي لك!
  • الاكل: تبقى دائما قلِق (أو كما نقول بالعامية: موسوس). يجب عليك دائما أن تسأل عن ما إذا كان الأكل حلالا أو حراما، عند أي متجر تدخل له، فإذا نسيت أن تسأل فستجد نفسك ربما أكلت أكلا حراما. صحيح أنك مع الوقت يصبح عندك منتجات تعتاد على شرائها، بحيث أنك لا تصبح تتحقق في كل مرة من ما إذا كانت حلالا أو لا. لكن دائما لازم تضع احتياطاتك. حتى أنه هناك بعض المنتجات الغير واضحة بأنها حرام، يقع الكثيرين -مع الأسف- فيها. مثلا: هناك بعض الأنواع من الخبز التي تحتوي على الكحول، ولكن الكثير من الأشخاص يخطؤون في أيامهم الأولى ويتناولونه (ويمكن حتى أن تجد أشخاص مزالوا يستهلكونه لعدم علمهم بأن فيه مواد محظورة). لحسن الحظ يوجد بعض تطبيقات الهواتف التي تقوم من خلالها بعمل مسح لرمز القراءة ويخبرك من ما إذا كان المنتج حلالا أو لا، ولكن لن تجد فيها كل المنتجات التي تشتريها. فاحرص دائما على تحري الحلال والحرام، فليس فقط لحم الخنزير واللحم الذي لم يذكر اسم الله عليه، لأنه يوجد المنتجات الأخرى، مثل استخدام شحم الخنزير بدل الزيت في قلي البطاطا، وكذلك هناك بعض الحشرات يتم استخدامها في صنع بعض أنواع الحلوى، …وغيرها).
  • المناظر المخلة للحياء: مثلا ستجد الألوان في الكثير من الأماكن، ستصادفهم من وقت لأخر في المواصلات، وكذلك ستصادف من وقت لأخر امرأة تقبل رجل في الفم أو حتى رجل يقبل رجل في الفم! فتخيل يا أخي الكريم أنك أنت، زوجتك، وأبنائك ستصادفون هذا الأمر من وقت لأخر، و يجب عليك تجاهل الأمر لأنك مقيم عندهم.

خاتمة

بطبيعة الحال يوجد الكثير من النقاط التي لم أذكرها، حاولت في هذا المقال التركيز على أهم النقاط.
المشكلة الكبيرة هي أنه مع الوقت، سيألف قلبك ويعتاد على الأمر، صحيح أنك ستجد البعض متمسك بدينه، لكن أغلب الأشخاص الذين أعرفهم لم يتمسكوا بمبادئهم، لأن الأمر ليس سهل، فستجد أكثرهم ساءت أخلاقهم ويقعون في المخالفات التي لا تتوافق مع مبادئهم.
الإنسان في هذه الحياة يجب أن تكون بوصلته هي دينه، وكل أهدافه ومشاريعه يجب أن تصُب نحو هدف واحد وهو الفوز بالجنة، فإن لم يفعل، فستصبح حياته فارغة وضنكا، لأنه لا راحة في البعد على الله.

في الختام، أرجو من الله أن أكون قد وفقت في ذكر النقاط الرئيسية وتبيان ما هو موجود في أوروبا، لكي تكون على دراية تامة بما ينتظرك في حال قررت المضي قدما. وإذا رأيت بأن في هذا مقال فائدة ولو صغيرة، فشاركه وأرسله لكل شخص يريد السفر إلى أوروبا لكي يكون على إطلاع عما ينتظره.

كُتب في 26/09/2023
شارك التدوينة: